شبهات وردود - شبكة الدفاع عن السنة



مقولة عمر (كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ): واحدة من أكبر أكاذيب التاريخ؟

المجيب: شبكة الدفاع عن السنة

السؤال :

 

مقولة عمر (كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ): واحدة من أكبر أكاذيب التاريخ؟

 


الإجابة :

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


هذا الأثر المنسوب إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، هو واحد من كبريات أكاذيب السبئية.

وهذا الأثر هو من قرآن السبئية ووردهم اليومي الذي يصمّون به أسماع الناس في كل محفل.

ولو قلنا إنهم قد استدلوا بهذا الأثر في أكثر من 1000 كتاب ما بين قديم ومعاصر، لم نجانب الصواب.

وهذه الخرافة صدّقوها وبنوا عليها عقائدهم، ومواقفهم من الصحابة، وأصلُها هزيل ومصدرُها تافه، وهذا يبين كيف أن القوم لا يجعلون مع الله صلة إلا بالكذب، وهم على عجلة من التقاذف والانغماس في كل ما يغضب الله تعالى.
 
وهل هذا الأفك يليق أن ينسب إلى شيخ الأمة الثاني، وفاروقها، ولسانها الناطق بالحق، أبي حفص أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؟!!
 
سبحانك هذا بهتان عظيم!!

حال الرواية:

قال الامام الطبري (4/222):

[حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فُلانٌ أَشْعَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ فُلانٌ أَشْعَرُ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ جَاءَكُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ شاعر الشعراء يا بن عَبَّاسٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ:

زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، فَقَالَ عُمَرُ: هَلُمَّ مِنْ شِعْرِهِ مَا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتَ، فَقُلْتُ: امْتَدَحَ قَوْمًا مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ، فَقَالَ:

لَوْ كَانَ يَقْعُدُ فَوْقَ الشَّمْسِ مِنْ كَرَمٍ … قَوْمٌ بِأَوَّلِهِمْ أَوْ مَجْدِهِمْ قَعَدُوا

قَوْمٌ أَبُوهُمْ سِنَانٌ حِينَ تَنْسِبُهُمْ … طَابُوا وَطَابَ مِنَ الأَوْلادِ مَا وَلَدُوا

إِنْسٌ إِذَا أَمِنُوا، جِنٌّ إِذَا فزعوا … مرزءون بها ليل إِذَا حَشَدُوا

مُحَسَّدُونَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ نِعَمٍ … لا يَنْزَعُ اللَّهُ مِنْهُمْ مَالَهُ حُسِدُوا

فَقَالَ عُمَرُ: أَحْسَنَ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْلَى بِهَذَا الشِّعْرِ مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ بَنِي هاشم! لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَرَابَتِهِمْ مِنْهُ.

فَقُلْتُ: وُفِّقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ولم تزل موفقا.

فقال: يا بن عَبَّاسٍ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ؟ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ.

فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي.

فَقَالَ عُمَرُ: كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ، فَتَبَجَّحُوا عَلَى قَوْمِكُمْ بَجَحًا بَجَحًا، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لأَنُفْسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ.

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلامِ، وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تكلمت.

فقال: تكلم يا بن عَبَّاسٍ.

فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا اخْتَارَتْ لأَنْفُسِهَا حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلا مَحْسُودٍ وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلافَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهِيَةِ فَقَالَ: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ».

فقال عمر: هيهات والله يا بن عَبَّاسٍ! قَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنِي عَنْكَ أَشْيَاءُ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَفْرُكَ عَنْهَا، فَتُزِيلَ مَنْزِلَتَكَ مِنِّي، فَقُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ.

فَقَالَ عُمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّمَا صَرَفُوهَا عَنَّا حَسَدًا وَظُلْمًا!

فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ظُلْمًا، فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ وَالْحَلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَسَدًا، فَإِنَّ إِبْلِيسَ حَسَدَ آدَمَ، فَنَحْنُ وَلَدُهُ الْمَحْسُودُونَ.

فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ! أَبَتْ وَاللَّهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلا حَسَدًا مَا يُحَوَّلُ، وَضِغْنًا وَغِشًّا مَا يَزُولُ.

فَقُلْتُ: مَهْلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ، فَإِنَّ قَلْبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قُلُوبِ بَنِي هَاشِمٍ

فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيْكَ عنى يا بن عَبَّاسٍ.

فَقُلْتُ: أَفْعَلُ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ لأَقُومَ اسْتَحْيَا منى.

فقال: يا بن عباس، مكانك، فو الله إِنِّي لَرَاعٍ لِحَقِّكَ، مُحِبٌّ لِمَا سَرَّكَ.

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقًّا وعلى كل مسلم، فمن حفظه فحفظه أَصَابَ، وَمَنْ أَضَاعَهُ فَحَظُّهُ أَخْطَأَ.

ثُمَّ قَامَ فمضى.]

وكما قلنا فإنه من قرآن السبئية ووردهم اليومي يصمون به أسماع الناس في كل محفل.

والمخزي أنه لا يصح ولا يقوم له عود، ومسلسل بالعلل، ومن يستدل به فهو معلول بعلة لا يجبرها كسر ولا كل أدوية الأرض.

فهو باطل، وهذه علله :

العلة الأولى:

في سنده محمد بن حميد الرازي :

قال الإمام الذهبي في ديوان الضعفاء صفحة 348.

(3680 - محمد بن حميد الرازي الحافظ: قال أبو زرعة: كذاب، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحد بالكذب منه، ومن الشاذكوني. -د، ق، ت- .)

وقال في المغني في الضعفاء (2/573):

(5449 - د ت ق / ‌مُحَمَّد ‌بن ‌حميد ‌الرَّازِيّ الْحَافِظ عَن يَعْقُوب الْعمي وَجَرِير وَابْن الْمُبَارك ضَعِيف، لَا من قبل الْحِفْظ قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة كثير الْمَنَاكِير، وَقَالَ البُخَارِيّ فِيهِ نظر، وَقَالَ ابو زرْعَة يكذب، وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ صَالح جزرة مَا رَأَيْت أحذق بِالْكَذِبِ مِنْهُ وَمن ابْن الشَّاذكُونِي.)

وقال الشيخ أكرم الفالوجي في معجم شيوخ الطبري:

[كان رديء المذهب، غير ثقة، كثير المناكير، وأنه حاذق بالكذب، لو عرفه أحمد بن حنبل لما أثنى عليه، وأن ما رواه عن سلمة بن الفضل – وهو أكثر ما روى – إنما سمعه من علي بن مهران عن سلمة، ثم إنه أسقط علي بن مهران ورواه مباشرة عن سلمة.

قال ابن حبان: " كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات ولا سيما إذا حدث عن شيوخ بلده ".

وقال أحمد بن حنبل: " إذا حدث عن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة، وإذا حدث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختار، وغيره أتى بأشياء لا تُعرف، لا تدري ما هي؟ ".

وقال: أبو زرعة، ومحمد بن مسلم بن وارة الرازيان: " صح عندنا أنه يكذب ".

قلت: وأهل مكة أدرى بشعابها، وأهل الري أدرى برجالها!! والجرح – وخاصة المفسر – مقدم على التعديل عند علماء هذا الشأن، فهو ضعيف.]

العلة الثانية:

محمد بن إسحاق:

قال الحافظ ابن حجر في (طبقات المدلسين = تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس: صفحة 51):

[(125) خت م مقرونا 4 ‌محمد ‌بن ‌إسحاق بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما].

وهنا قد عنعن ولم يصرح بالتحديث بل إنه يصرح بجهالة من يعنعن عنه.

وكان الحافظ قد قال في مقدمته صفحة 14 معرفا للطبقة الرابعة التي وضع ابن إسحاق فيها: (‌الرابعة: ‌من ‌اتفق ‌على ‌أنه ‌لا ‌يحتج بشيء من حديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد).
 
هذا هو قيمة هذا الأثر سندا.
 
وأما متنا فبابه طويل وعريض، ونرى أنه من المعيب أن ننزل لهذا الدرك ونبين سخافة هذه النسبة لأبي حفص فاروق الأمة وشيخها الثاني رضي الله عنه.
 
فإنها تطعن بجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشا لأبي حفص، وهو المؤتمن على دين الإسلام، القائم بأمره، الناشر للهدى والإيمان في ربوع الأرض.
 
إذا سقط الأثر سندا ومتنا.
 
هذا حال قرآن السبئية وزلفتهم إلى جنات النعيم معاشر المسلمين.
 
ويتحامق السبئية ويذكرون للأثر مصادر أخرى حتى يملؤوا منها الصفحات، وعند التحقيق إنما ترجع لنفس المصدر ولنفس السند اليتيم هذا.
 
ثم يختمون بحثهم بأنه: متواتر ومتسالم عليه بين الطرفين!!
 
وتلك أضحوكة أخرى وفضيحة الدهر، أقصد قولهم في كل سند يريدون الاستدلال به (متواتر ومتسالم عليه بين الطرفين)
 
وهؤلاء يظنون أننا لا نعرف أنهم إنما يتخذون الكذب عبادة وقربة إلى الله وزلفا إلى الجنة التي سيجدون قسيمهم على بابها فاتحا ذراعيه لهم. 
 
ولكنهم سيجدون الله عند المحشر ليجزيهم بجرائر أكاذيبهم المتواترة والمتسالم عليها.
 
لأن هؤلاء (أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب)
 
فإذا رأيت أخي المسلم: سبئيا، يكتب أن الرواية الفلانية: متواترة ومتسالم عليها.
 
فاعلم أنه وصل من الارتقاء، إلى سدرة المنتهى، من شدة الكذب والبهتان !! كما يحلم المخذول ...