![]() |
|
ما هي خلاصة موضوع "كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن"؟
المجيب: شبكة الدفاع عن السنة
ما هي خلاصة موضوع "كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن"؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فللإجابة عن هذا السؤال نضع زبدة ما وصل إليه الباحثون في هذا الموضوع، وهذه الزبدة استقيناها من الكتب التالية:
• كتابة الحديث بين النهي والإذن، تأليف العلامة الدكتور أحمد بن محمد حميد.
• كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن، تأليف ناصر بن إبراهيم العبودي.
• كتابة الحديث النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن، تأليف حسناء بنت بكري نجار.
• كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في حفظ السنة النبوية، تأليف الدكتور أحمد بن معبد عبد الكريم.
ويمكن إيجاز أهم الفوائد والنتائج التي توصلنا إليها في موضوع "كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين النهي والإذن" ومن خلال استقراء هذه الكتب ما يلي:
1- أن كشف الشبهات التي يثيرها المناوئون لا ينبني فقط على الرد النظري، بل بتتبعها عن طريق كشف الأسس التي تقوم عليها، واجتثاث هذه الأسس لأنها تقوم على جرف هار كما في شبهة عدم كتابة السنة.
2- أن الشبه التي أثيرت قديما وحديثا حول كتابة السنة في عصره صلى الله عليه وسلم حال التلقي منه مباشرة أو بالواسطة في عصر صحابته الكرام، كل ذلك مردود على قائله جملة وتفصيلا.
3- أن العرب عرفوا الكتابة قبل الإسلام بثلاثة قرون ولكن غلب عليهم عدم معرفتها، وأنهم كما وصفهم الله تعالى أمة أميَّة لغلبة الأمية عليهم، وليس بمعنى أنهم ليسوا أهل كتاب.
4- أن الكتابة انتشرت بعد الإسلام لما أمرت به الشريعة من الحث على طلب العلم حتى كثر الكاتبون من الرجال والنساء، وبلغ عدد كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين كاتبا يكتبون له الوحي وكل ما يتعلق بشؤون الدولة.
5- أنَّ ما كتب في عهده صلى الله عليه وسلم قد تناول قسماً كبيراً من حديثه، يبلغ في مجموعه ما يضاهي مصنفاً كبيراً من المصنَّفات الحديثية.
6- أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإذن بنوعيه الخاص والعام، وذلك من دلائل عنايته بكتابة السنة عنه في حياته، وتبليغها لمن بعده.
7- أن الحديث كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كتابات فردية للاستذكار، وكتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخص الدعوة إلى الله، وبيان أصول الإسلام وفرائضه وفيما يتعلق بشؤون الدولة الإسلامية والسياسية والاقتصادية.
8- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تقتصر عنايته بكتابة السنة عنه على الإذن العام والخاص، ولكنه أمر أيضا أمرًا وجوبيا بكتابة الكثير منها.
9- أن أكثر الأحاديث الواردة في النهي عن الكتابة غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت منها فلا أثر له؛ إذ هو نهي مخصوص بحالة معينة، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم الذي أثر عنهم كراهتهم كتابة الحديث لم يعللوا كراهتهم بعلة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم بل بأمور أخرى لا علاقة لها به.
10- أن الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة الحديث النبوي لا تتجاوز أربعة أحاديث، أحسنها وأقواها سنداً حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه– مرفوعاً بلفظ "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه". وقد أعله البخاري وأبو داود بالوقف، إلا أن تخريج مسلمٍ له يعتبر تصحيحاً له، ويجعل له هيبة الصحيح.
11- أنَّ الأحاديث والروايات في الإذن في كتابة الحديث، والصحائف والكتب والمكاتبات في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جداً، وبمجموعها يمكن القول: إن وقوع الكتابة في عهده يبلغ رتبة التواتر –يعني: المعنوي– المفيد للعلم اليقيني القطعي.
12- أن تدوين الحديث الذي دعا إليه عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – على رأس المائة الأولى إنما المقصود به التدوين الرسمي، الذي أخذ صفة العموم؛ لجمع شتات الأحاديث وما تفرق منها في صحف الناس ومحفوظاتهم في كتب معتمدة تُجمع وتُرتب فيها الأحاديث، ويتداولها عامة الناس، وليس المقصود به أن الأحاديث لم تُدَوَّن من قبل، وبدعوته انتهى الخلاف الذي كان في الصدر الأول من الصحابة والتابعين في كتابة الحديث، واستقر الأمر على الإجماع على الجواز.
13- أن حرص الصحابة على طلب الإذن بالكتابة للسنة دليل على عنايتهم بذلك، دون الاقتصار على حفظهم لها في الصدور رغم تمتعهم بالحافظة القوية، وتطبيقهم العملي لها في الليل والنهار. كما أنهم بمجرد الإذن النبوي لهم قاموا بالكتابة كل على قدر طاقته، وكتب بعضهم إلى بعض. كما تنوعت كتابتهم بين جمع عام لما تلقاه الصحابي، وبين تصنيف موضوعي في موضوعات خاصة.
14- أن كتابات الصحابة، وإن لم يوجد كل منها إلى الآن بصورته التي كتبه عليها الصحابي، إلا أنها قد وجدت متضمنة في ثنايا المصادر الحديثية الأصلية بأسانيدها إلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم وهي متداولة الآن بيننا.
15- من الممكن التوفيق بين أحاديث النهي والإذن هو أن أحاديث النهي كانت معللة ولا سيما أن مسألة الكتابة لا ينهى عنها لذاتها؛ لأنها من القضايا التعبدية التي لا مجال للنظر فيها؛ ولأنها لو كانت محظورة لذاتها لما أمكن صدور الإذن بها لأحد من الناس كائنا من كان.
16- من الممكن التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة والإذن بها، عن طريق الجمع بينهما بحمل كل منهما على حال غير حال الأخرى، وذلك مثلا بحمل أحاديث النهي على كتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، وحمل أحاديث الإذن على تفريقهما. أو النهي في حق من خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ والإذن لمن أمن ذلك.
17- من الممكن القول بأن أحاديث الإذن في الكتابة هي الراجحة على أحاديث النهي وذلك لأن أحاديث النهي معظمها فيها ضعف.
18- من الممكن التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة والإذن بها عن طريق منهج الأصوليين في دفع التعارض، وذلك عن طريق القول بالنسخ حيث إن الإذن بالكتابة كان متأخراً عن النهي عنها وحينئذ فالمتأخر ناسخ للمتقدم، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإذن بالكتابة.
19- أن أولى الأقوال في إزالة التعارض الظاهري بين أحاديث النهي والإذن هو القول بالنسخ. يعني: أن أحاديث النهي منسوخةٌ بأحاديث الإذن الثابتة الكثيرة، ومما يدل على ذلك تأخر أحاديث الإذن ووقوع بعضها في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، وهذا هو قول جمهور أهل العلم.
20- أن مما يقوي القول بنسخ النهي عن كتابة الحديث استقرار الأمر بين الأمة على الإجماع على جواز كتابة الحديث، بل وعلى استحبابه، بل إنه كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 1: 204: (إنه لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.