![]() |
|
هل أحرق الشيخان الأحاديث ومنعا روايتها وكتابتها؟
المجيب: شبكة الدفاع عن السنةالسؤال :
هل أحرق الشيخان الأحاديث ومنعا روايتها وكتابتها؟
الإجابة :
فإن هذه المفتريات لهي من أبين الكذب وأوضح البهتان على شيخي الأمة ومُقَدميها أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما النيل منهما في هذه النقطة من شرار الملل والنحل، إلا لقصد إسقاط السنة والحديث، في مهده وأوائل عهده.
ونقول ردا على هذه المفتريات التالي:
الرد المجمل:
• لا حاجة لذكر موقف أي من المسلمين من السنة النبوية الشريفة، فإنه متقرر أن الانقياد والإذعان لها لهو من أساسيات الدين، فلا يسع أحد أن يرفضها أو يهجرها أو يكون له الخيرة في تجاوزها فضلا عن التصدي لنشرها وكتابتها وتعليمها، وبالتالي لا حاجة لذكر مواقف الشيخين المؤيدة لنشر السنة النبوية وتعليمها والعمل بمقتضاها، فإن مواقفهما هذه لا تتميز عن أي مسلم صادق الإيمان كامل الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
• لا حاجة للتذكير أن عدد أحاديث الصديق في مسند أحمد 81 حديثا، وعدد أحاديث عمر في المسند وغيره كما قال ابن الملقن: (روي له (أي عمر) عن النبي صلى الله عليه وسلم 539 حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على 26 حديثا وانفرد البخاري ب34 حديثا ومسلم 21 حديثا).
• لا حاجة للتذكير أن أول راو للسنة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فمن أوائل كلام الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بالسنة وروايتها بأمثلة ذائعة الانتشار، كتذكير الصحابة بأن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون ولا ينتقل بهم لمكان آخر للدفن.
• فعن عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -، قالت : لما قُبِضَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - اختلفوا في دَفْنِهِ، فقال أبو بكرٍ - رَضِيَ اللهُ عنه - : سَمِعْتُ من رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - شيئًا، قال : ما قبض اللهُ نبيًّا إلا في الموضعِ الذي يحبُّ أن يُدْفَنَ فيه ؛ ادفِنُوه في موضعِ فراشِهِ .أخرجه الترمذي وغيره وهو صحيح.
• ولا حاجة للتذكير باحتجاج الصديق في السقيفة أن الأمر في قريش بناء على السنة.
• ولا حاجة للتذكير أن الصديق حكم في أرض فدك بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أخذ بالسنة والرواية، وقال: (إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ " وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ). هذا لفظ أحمد، وفي البخاري: (وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
• ولا حاجة لذكر ما عمله الصديق في ولايته وكذا عمر من تشريعات وسن للقوانين المبنية على الكتاب والسنة، والانقياد لهما، ولو أردنا تتبع ذلك لكتبنا المجلدات ويكفي مراجعة دواوين السنة وكتب تاريخ التشريع ليعلم جلية هذا الأمر المتيقن.
• ولا حاجة للتذكير أن أول حديث في صحيح البخاري هو حديث إنما الأعمال بالنيات، وهذا رواه عمر رضي الله عنه على المنبر، بقصد تعليم الناس السنة وروايتها على الملاء.
• ولا حاجة للتذكير أن من أواخر كلام عمر على المنبر في وصيته أنه قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ، وَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم) صحيح مسلم 567.
• ولا حاجة للتذكير أن عمر هو القائل معترضا على فاطمة بنت قيس: (لَا نَدَعُ كِتَابَ اللهِ عز وجل وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَعَلَّهَا نَسِيَتْ)، مسند أحمد 27338.
• ولا حاجة للتذكير أنه صح عن عمر أنه قال: (سَيَأْتِي قَوْمٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ؛ فَخُذُوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ"). الدارمي في "السنن" "1/ 49".
• ولا حاجة للتذكير أنه صح عن عمر أنه قال: (إياكم والرأيَ، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديثُ أن يَعُوهَا، وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم) رواه ابن عبد البر في "الجامع" (2005).
• بل لا حاجة لنقل شهادة علي رضي الله عنهما في الشيخين إذ يقول: (قَامَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَعَمِلَ بِعَمَلِهِ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عز وجل عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمَا، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ) مسند أحمد 1055.
• وفي اللفظ الآخر: (عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَعُمَرُ كَذَلِكَ) المسند 1059. وإسناده حسن.
• لا حاجة للتذكير أن سبب كذب الشيعة على الشيخين وغيرهما واستماتتهم في ذلك، أنهم ينقلون عن المعصوم أبي عبد الله أنه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهر والبراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.) الكافي للشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٥.
• بل إن مرجعهم الخوئي قد سئل التالي: (هل يجوز الكذب على المبدّع أو مروج الضلال في مقام الاحتجاج عليه إذا كان الكذب يدحض حجته ويبطل دعاويه الباطلة؟ فأجب الخوئي: إذا توقف رد باطله عليه جاز). صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات رقم 1245.
الرد المفصل:
وأيضا لرد هذه المفتريات فإنه لا مناص من تتبع ما يستدل به أهل الزيغ والإلحاد وتبيين وهنه وضعفه وركاكة منطقه، وهاكم التفصيل:
أولا: تحريق الصديق للأحاديث؟
نص الرواية:
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلَّب كثيرًا، قالت: فغمَّني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيءٍ بلغَك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمِّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، فقلت: لـِمَ أحرقتها؟ قال: خشيتُ أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد تقلَّدتُ ذلك(.
أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 11)، والمتقي الهندي في كنز العمال (10/ 285).
حال الرواية:
قال الإمام الذهبي بعد نقله للرواية مباشرة: (فهذا لا يصح والله أعلم).
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله في رده على أبي رية:
[لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو ريَّة على «تذكرة الحُفّاظ» للذهبي و«جمع الجوامع» للسيوطي، ولم يذكر طعنهما فيه، ففي «التذكرة» عقبه: «فهذا لا يصح».
وفي «كنز العمال» (5: 237) ــ وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية ــ: «قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدًّا. وعلي بن صالح (أحد رجال سنده) لا يعرف».
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر. ثم وجَّهه ابنُ كثير على فرض صِحَّته]
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي» 12/49.
ثانيا: نهي الصديق عن التحديث بالسنة؟
نص الرواية:
روى الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» قال: ومِن مراسيل ابن أبي مُليكة: )أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تُحدِّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافًا، فلا تُحدِّثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه).
حال الرواية:
قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله في رده على أبي رية:
[أقول: ثم ذكر الذهبي هذا الخبر، ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مُليكة، وبيَّنَ الذهبي أنه مرسل، أي منقطع؛ لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة؛ إذ لا يُدْرَى ممن سمعه.]
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي» 12/49.
ثالثا: تحريق الفاروق للكتب؟
نص الرواية:
عن القاسم بن محمد، أن عمر بن الخطاب، بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها، وقال: «أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي» قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال: «أمنية كأمنية أهل الكتاب؟»
أخرجها الخطيب البغدادي في "تقييد العلم" حديث رقم 72 صفحة 53.
حال الرواية:
إسنادها منقطع، القاسم بن محمد لم يسمع من عمر بن الخطاب، انظر تهذيب الكمال 23/427.
والملاحظ أنه على الرغم من عدم صحة الرواية، فإنه ليس فيها أن هذه الكتب التي زُعم أنه أحرقها = هي السنة والأحاديث!!
هذا وإن القاسم بن محمد كان إماما في العلم والحديث والرواية، وله: مئتا حديث، كما قال ابن المديني!!
وكان القاسم كما قال ابن عون: ممن يأتي بالحديث بحروفه. أي لا يحدث بالمعنى بل بالنص، وهذا من شدة تمسكه بالسنة.
رابعا: جمع عمر الكتب وحرقها؟
نص الرواية:
أيضا روى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم بن محمد أن يملي عَلَيَّ أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال: فمنعني القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثًا).
الطبقات الكبرى - ط الخانجي: 7/187.
حال الرواية:
وهذا منقطع أيضًا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة.
خامسا: منع عمر كتابة السنة بعد استشارة الصحابة؟
نص الرواية:
روى عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له، قال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا(
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/257، ورواه البيهقي في المدخل (ص: 407)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 274). والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
حال الرواية:
هذا خبرٌ منقطع لا يصح؛ فإن عروة بن الزبير لم يسمع عمرَ؛ لأنه ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصحيح.
رواية الخطيب البغدادي:
بعد أن روى الخطيب البغدادي في (تقييد العلم) الرواية عن عروة عن عمر منقطعة بعدة طرق، عاد ورواها بسنده موصولة عن عروة عن ابن عمر عن عمر به!
وهذه رواية شاذة مخالفة لروايات الثقات الذين رووها عن عروة منقطعة، وقد سبق فقد رواها الخطيب بنفسه منقطعة.
ولذلك قال الخطيب في خاتمة البحث:
(هكذا قال في هذه الرواية [أي الموصولة الشاذة]، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بخلاف رواية قبيصة عن الثوري،
وقد روى هذا الحديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري:
فوافق رواية عبد الرزاق عن معمر [أي المنقطعة]،
ورواية قبيصة عن الثوري عن معمر [أي المنقطعة]،
وقال: عن الزهري، عن عروة، عن عمر [أي المنقطعة]،
ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة، عن عمر [أي المنقطعة]).
وهذا حكم من الخطيب على شذوذ رواية الوصل المخالفة للإرسال.
سادسا: طلب عمر مَحْي الكتب؟
نص الرواية:
حدثنا أبو خيثمة زهير قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة قال: "أراد عمر أن يكتب السنة، ثم كتب في الناس: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه".
"كتاب العلم" حديث رقم 26 بتحقيق الألباني.
حال الرواية:
قال العلامة الألباني رحمه الله (صفحة 16):
(إسناده منقطع، فإن يحيى بن جعدة لم يدرك عمر بن الخطاب).
سابعا: منهج الصحابة في أول الخلافة الراشدة؟
أ- لقد تبين عدم صحة كل هذه الروايات التي تفيد: أن الشيخين كانا يُحَرّقان الأحاديث وأن الفاروق قد منع كتابة الحديث!
وهذا كله من الافتراء عليهما وعلى تاريخ المسلمين.
ب- وهذا لا يتعارض من منهج الصحابة في أول الأمر، في التحوط في رواية الحديث والتوثق منه، لاسيما في عهد الشيخين في أول الخلافة الراشدة، حيث كانت الأولوية: لجمع القرآن، والاهتمام بكتابته، ونشره، وتعليمه، والخوف أن يختلط به كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
كان هذا المنهج مشهورا في عهد الشيخين.
وهذا لا يعني بل لا علاقة له بمنع كتابة السنة ممن هو متأهل للكتابة والفهم من كبار الصحابة.
فلم يمنع الشيخان كتابة السنة، واهتمامهما بالقرآن وجمعه، لا يتعارض مع كتابة السنة بحال.
والخلاصة:
1- أنه قد صح عنهما أن أول أعمالهما رضي الله عنهما: هو القيام بجمع القرآن وتكليف زيد بن ثابت به.
2- أنهما كانا حريصين على التوثق والتثبت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما في عهد عمر مع اتساع الفتوحات.
3- لقد كانت السنة من الدين وأخذها والتمسك بها والعمل بمقتضاها من أركان الاعتقاد، فكيف لأحد أن يدعو إلى عدم كتابتها أو التحديث بها؟!
4- أنه لم يصح عنهما ولا حرف واحد في منع التدوين وكتابة السنة، وقلة المكتوب في عصرهما لا علاقة له بالمنع أو الإذن، بقدر ما له علاقة بحال العرب والصحابة، وقدرتهم على الكتابة والتفرغ لها، مع التسليم بتفرغ الصحابة التام لرواية السنة للتابعين بما لم يبخلوا فيه بحرف، وتبليغهم تفاصيل الأحكام وقد بلغت الأحاديث عنهم الآلاف رضي الله عنهم أجمعين.
5- والتدوين كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عصر الخلفاء الراشدين، ولكنه لم يكن تدوينا رسميا عاما حتى تهيأت الظروف لذلك على عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن هذه المفتريات لهي من أبين الكذب وأوضح البهتان على شيخي الأمة ومُقَدميها أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما النيل منهما في هذه النقطة من شرار الملل والنحل، إلا لقصد إسقاط السنة والحديث، في مهده وأوائل عهده.
ونقول ردا على هذه المفتريات التالي:
الرد المجمل:
• لا حاجة لذكر موقف أي من المسلمين من السنة النبوية الشريفة، فإنه متقرر أن الانقياد والإذعان لها لهو من أساسيات الدين، فلا يسع أحد أن يرفضها أو يهجرها أو يكون له الخيرة في تجاوزها فضلا عن التصدي لنشرها وكتابتها وتعليمها، وبالتالي لا حاجة لذكر مواقف الشيخين المؤيدة لنشر السنة النبوية وتعليمها والعمل بمقتضاها، فإن مواقفهما هذه لا تتميز عن أي مسلم صادق الإيمان كامل الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
• لا حاجة للتذكير أن عدد أحاديث الصديق في مسند أحمد 81 حديثا، وعدد أحاديث عمر في المسند وغيره كما قال ابن الملقن: (روي له (أي عمر) عن النبي صلى الله عليه وسلم 539 حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على 26 حديثا وانفرد البخاري ب34 حديثا ومسلم 21 حديثا).
• لا حاجة للتذكير أن أول راو للسنة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فمن أوائل كلام الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بالسنة وروايتها بأمثلة ذائعة الانتشار، كتذكير الصحابة بأن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون ولا ينتقل بهم لمكان آخر للدفن.
• فعن عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -، قالت : لما قُبِضَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - اختلفوا في دَفْنِهِ، فقال أبو بكرٍ - رَضِيَ اللهُ عنه - : سَمِعْتُ من رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - شيئًا، قال : ما قبض اللهُ نبيًّا إلا في الموضعِ الذي يحبُّ أن يُدْفَنَ فيه ؛ ادفِنُوه في موضعِ فراشِهِ .أخرجه الترمذي وغيره وهو صحيح.
• ولا حاجة للتذكير باحتجاج الصديق في السقيفة أن الأمر في قريش بناء على السنة.
• ولا حاجة للتذكير أن الصديق حكم في أرض فدك بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أخذ بالسنة والرواية، وقال: (إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ " وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ). هذا لفظ أحمد، وفي البخاري: (وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
• ولا حاجة لذكر ما عمله الصديق في ولايته وكذا عمر من تشريعات وسن للقوانين المبنية على الكتاب والسنة، والانقياد لهما، ولو أردنا تتبع ذلك لكتبنا المجلدات ويكفي مراجعة دواوين السنة وكتب تاريخ التشريع ليعلم جلية هذا الأمر المتيقن.
• ولا حاجة للتذكير أن أول حديث في صحيح البخاري هو حديث إنما الأعمال بالنيات، وهذا رواه عمر رضي الله عنه على المنبر، بقصد تعليم الناس السنة وروايتها على الملاء.
• ولا حاجة للتذكير أن من أواخر كلام عمر على المنبر في وصيته أنه قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ، وَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم) صحيح مسلم 567.
• ولا حاجة للتذكير أن عمر هو القائل معترضا على فاطمة بنت قيس: (لَا نَدَعُ كِتَابَ اللهِ عز وجل وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لَعَلَّهَا نَسِيَتْ)، مسند أحمد 27338.
• ولا حاجة للتذكير أنه صح عن عمر أنه قال: (سَيَأْتِي قَوْمٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ؛ فَخُذُوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ"). الدارمي في "السنن" "1/ 49".
• ولا حاجة للتذكير أنه صح عن عمر أنه قال: (إياكم والرأيَ، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديثُ أن يَعُوهَا، وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم) رواه ابن عبد البر في "الجامع" (2005).
• بل لا حاجة لنقل شهادة علي رضي الله عنهما في الشيخين إذ يقول: (قَامَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَعَمِلَ بِعَمَلِهِ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عز وجل عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمَا، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ) مسند أحمد 1055.
• وفي اللفظ الآخر: (عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَعُمَرُ كَذَلِكَ) المسند 1059. وإسناده حسن.
• لا حاجة للتذكير أن سبب كذب الشيعة على الشيخين وغيرهما واستماتتهم في ذلك، أنهم ينقلون عن المعصوم أبي عبد الله أنه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهر والبراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.) الكافي للشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٥.
• بل إن مرجعهم الخوئي قد سئل التالي: (هل يجوز الكذب على المبدّع أو مروج الضلال في مقام الاحتجاج عليه إذا كان الكذب يدحض حجته ويبطل دعاويه الباطلة؟ فأجب الخوئي: إذا توقف رد باطله عليه جاز). صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات رقم 1245.
الرد المفصل:
وأيضا لرد هذه المفتريات فإنه لا مناص من تتبع ما يستدل به أهل الزيغ والإلحاد وتبيين وهنه وضعفه وركاكة منطقه، وهاكم التفصيل:
أولا: تحريق الصديق للأحاديث؟
نص الرواية:
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلَّب كثيرًا، قالت: فغمَّني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيءٍ بلغَك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمِّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، فقلت: لـِمَ أحرقتها؟ قال: خشيتُ أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد تقلَّدتُ ذلك(.
أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 11)، والمتقي الهندي في كنز العمال (10/ 285).
حال الرواية:
قال الإمام الذهبي بعد نقله للرواية مباشرة: (فهذا لا يصح والله أعلم).
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله في رده على أبي رية:
[لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو ريَّة على «تذكرة الحُفّاظ» للذهبي و«جمع الجوامع» للسيوطي، ولم يذكر طعنهما فيه، ففي «التذكرة» عقبه: «فهذا لا يصح».
وفي «كنز العمال» (5: 237) ــ وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية ــ: «قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدًّا. وعلي بن صالح (أحد رجال سنده) لا يعرف».
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر. ثم وجَّهه ابنُ كثير على فرض صِحَّته]
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي» 12/49.
ثانيا: نهي الصديق عن التحديث بالسنة؟
نص الرواية:
روى الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» قال: ومِن مراسيل ابن أبي مُليكة: )أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تُحدِّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافًا، فلا تُحدِّثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه).
حال الرواية:
قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله في رده على أبي رية:
[أقول: ثم ذكر الذهبي هذا الخبر، ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مُليكة، وبيَّنَ الذهبي أنه مرسل، أي منقطع؛ لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة؛ إذ لا يُدْرَى ممن سمعه.]
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن «آثار المعلمي» 12/49.
ثالثا: تحريق الفاروق للكتب؟
نص الرواية:
عن القاسم بن محمد، أن عمر بن الخطاب، بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها، وقال: «أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي» قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ، ثم قال: «أمنية كأمنية أهل الكتاب؟»
أخرجها الخطيب البغدادي في "تقييد العلم" حديث رقم 72 صفحة 53.
حال الرواية:
إسنادها منقطع، القاسم بن محمد لم يسمع من عمر بن الخطاب، انظر تهذيب الكمال 23/427.
والملاحظ أنه على الرغم من عدم صحة الرواية، فإنه ليس فيها أن هذه الكتب التي زُعم أنه أحرقها = هي السنة والأحاديث!!
هذا وإن القاسم بن محمد كان إماما في العلم والحديث والرواية، وله: مئتا حديث، كما قال ابن المديني!!
وكان القاسم كما قال ابن عون: ممن يأتي بالحديث بحروفه. أي لا يحدث بالمعنى بل بالنص، وهذا من شدة تمسكه بالسنة.
رابعا: جمع عمر الكتب وحرقها؟
نص الرواية:
أيضا روى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم بن محمد أن يملي عَلَيَّ أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال: فمنعني القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثًا).
الطبقات الكبرى - ط الخانجي: 7/187.
حال الرواية:
وهذا منقطع أيضًا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة.
خامسا: منع عمر كتابة السنة بعد استشارة الصحابة؟
نص الرواية:
روى عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له، قال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا(
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11/257، ورواه البيهقي في المدخل (ص: 407)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 274). والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
حال الرواية:
هذا خبرٌ منقطع لا يصح؛ فإن عروة بن الزبير لم يسمع عمرَ؛ لأنه ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصحيح.
رواية الخطيب البغدادي:
بعد أن روى الخطيب البغدادي في (تقييد العلم) الرواية عن عروة عن عمر منقطعة بعدة طرق، عاد ورواها بسنده موصولة عن عروة عن ابن عمر عن عمر به!
وهذه رواية شاذة مخالفة لروايات الثقات الذين رووها عن عروة منقطعة، وقد سبق فقد رواها الخطيب بنفسه منقطعة.
ولذلك قال الخطيب في خاتمة البحث:
(هكذا قال في هذه الرواية [أي الموصولة الشاذة]، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بخلاف رواية قبيصة عن الثوري،
وقد روى هذا الحديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري:
فوافق رواية عبد الرزاق عن معمر [أي المنقطعة]،
ورواية قبيصة عن الثوري عن معمر [أي المنقطعة]،
وقال: عن الزهري، عن عروة، عن عمر [أي المنقطعة]،
ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة، عن عمر [أي المنقطعة]).
وهذا حكم من الخطيب على شذوذ رواية الوصل المخالفة للإرسال.
سادسا: طلب عمر مَحْي الكتب؟
نص الرواية:
حدثنا أبو خيثمة زهير قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة قال: "أراد عمر أن يكتب السنة، ثم كتب في الناس: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه".
"كتاب العلم" حديث رقم 26 بتحقيق الألباني.
حال الرواية:
قال العلامة الألباني رحمه الله (صفحة 16):
(إسناده منقطع، فإن يحيى بن جعدة لم يدرك عمر بن الخطاب).
سابعا: منهج الصحابة في أول الخلافة الراشدة؟
أ- لقد تبين عدم صحة كل هذه الروايات التي تفيد: أن الشيخين كانا يُحَرّقان الأحاديث وأن الفاروق قد منع كتابة الحديث!
وهذا كله من الافتراء عليهما وعلى تاريخ المسلمين.
ب- وهذا لا يتعارض من منهج الصحابة في أول الأمر، في التحوط في رواية الحديث والتوثق منه، لاسيما في عهد الشيخين في أول الخلافة الراشدة، حيث كانت الأولوية: لجمع القرآن، والاهتمام بكتابته، ونشره، وتعليمه، والخوف أن يختلط به كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
كان هذا المنهج مشهورا في عهد الشيخين.
وهذا لا يعني بل لا علاقة له بمنع كتابة السنة ممن هو متأهل للكتابة والفهم من كبار الصحابة.
فلم يمنع الشيخان كتابة السنة، واهتمامهما بالقرآن وجمعه، لا يتعارض مع كتابة السنة بحال.
والخلاصة:
1- أنه قد صح عنهما أن أول أعمالهما رضي الله عنهما: هو القيام بجمع القرآن وتكليف زيد بن ثابت به.
2- أنهما كانا حريصين على التوثق والتثبت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما في عهد عمر مع اتساع الفتوحات.
3- لقد كانت السنة من الدين وأخذها والتمسك بها والعمل بمقتضاها من أركان الاعتقاد، فكيف لأحد أن يدعو إلى عدم كتابتها أو التحديث بها؟!
4- أنه لم يصح عنهما ولا حرف واحد في منع التدوين وكتابة السنة، وقلة المكتوب في عصرهما لا علاقة له بالمنع أو الإذن، بقدر ما له علاقة بحال العرب والصحابة، وقدرتهم على الكتابة والتفرغ لها، مع التسليم بتفرغ الصحابة التام لرواية السنة للتابعين بما لم يبخلوا فيه بحرف، وتبليغهم تفاصيل الأحكام وقد بلغت الأحاديث عنهم الآلاف رضي الله عنهم أجمعين.
5- والتدوين كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عصر الخلفاء الراشدين، ولكنه لم يكن تدوينا رسميا عاما حتى تهيأت الظروف لذلك على عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله.