شبهات وردود - شبكة الدفاع عن السنة



هل كشف عمرو بن العاص رضي الله عنه عورته في معركة صفين؟!

المجيب: شبكة الدفاع عن السنة

السؤال :

هل كشف عمرو بن العاص رضي الله عنه عورته في معركة صفين؟!

 


الإجابة :

 

هذه القصة تؤكد الحقيقة الثابتة المتكررة من افتراء الشيعة على الصحابة رضوان الله عليهم ومحاولة النيل من مقاماتهم بالتزوير والكذب والافتراء.

ولكن الافتراء معلوم مكشوف -بفضل الله- كله لأهل العلم والمحققين، الذين بينوا الحقائق ومحّصوها.

ولكن تبقى المشكلة في ذيوع هذه الافتراءات وتناقلها بغير تثبت أو تحقق، من خلال نقلها من كتب الكذابين أو الجمّاعين الذين لا يبالون بالحقائق والوقائع.

فهذه القصة مع ذيوعها لا سند لها إطلاقا، ولا حتى سند موضوع!

وإنما افتراها الكذابان المشهوران الشيعيان نصر بن مزاحم وابن الكلبي، وهما المعروفان بالكذب العريض والافتراء المديد في مجريات التاريخ، وعنهما أخذ من أخذ هذه الواقعة.

وقد بين أهل العلم حالهما وحال كتبهما وروايتهما.

وأما عمرو بن العاص فهو الصحابي الجليل: عمرو بن العاص بن وائل، القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله وأبا محمد. كان في الجاهلية يحترف التجارة، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. كما كان من فرسان قريش وأبطالهم المعدودين، مذكورًا بذلك فيهم، وكان أيضًا شاعرًا حسن الشعر، حفظ عنه الكثير في مشاهد شتى. كما كان معدودًا أيضًا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم، ولذلك أرسلته قريش إلى النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده.

وبعد أن رجع من الحبشة، وفي سنة ثمانٍ من الهجرة، وقبل الفتح بنحو ستة أشهر قدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة المدينة مسلمين، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليهم وقال: "قد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها".

ولما أسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقربه ويدنيه لمعرفته وشجاعته.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن قال: (أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص).

وأيضا صح عنه صلى الله عليه وسلم: (ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام).

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، عقد أبو بكر رضي الله عنه أحد عشر لواء لحرب أهل الردة، فعقد لعمرو وأرسله إلى قضاعة، وكان قد حاربهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل، وكانت قضاعة قد ارتدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أنفذ إليهم أبو بكر جيشًا بقيادة عمرو، سار عمرو بجيشه في الطريق الذي سلكه من قبل حتى وصل بلاد قضاعة، فأعمل السيف في رقابهم وغلبهم على أمرهم، فعادوا إلى الإسلام، وعاد هو إلى المدينة حاملاً لواء النصر.

وقد شهد عمرو أكثر معارك فتح أرض الشام، وكان فتح أكثر فلسطين على يديه، ثم كان فتح مصر العظيم تحت قيادته رضي الله عنه.

وبالعودة لقصة كشف عمرو العاص رضي الله عنه عورته في معركة صفين عند مبارزة علي رضي الله عنه ليصون دمه، فهي قصة باطلة موضوعة لا سند لها.

قال الدكتور علي الصلابي حفظه الله:

[قصة باطلة في حق عمرو بن العاص رضي الله عنه – بصفين:

قال نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا، وحمل عمرو بن العاص فاعترضه علي وهو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل ... والخصر والأنامل الطفول  (1).

إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف على وجهه عنه وارتُثَّ. فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي  (2).

وذكر القصة - أيضًا - ابن الكلبي (بلا سند) كما ذكر ذلك السهيلي في الروض الأنف.

والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي:

فراوي الرواية الأولى: نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين، شيعي جلد لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة.

قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، تركوه.

قال عنه العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير.
 
وقال أبو خيثمة: كان كذابًا (3).

وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًا غاليًا .. ليس بثقة ولا مأمون (4).

وأما الكلبي؛ هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛ فاتفقوا على غلوه في التشيع.

قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟ ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه.

وقال الدارقطني: متروك (5).

وعن طريق هذين الرافضين سارت هذه القصة في الآفاق، وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة، وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة (6).

وتعد هذه القصة أنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله، فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغض من جناب الصحابة الأبرار - رضي الله عنهم - في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصّاص وأصبح كثير منها من المسلمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف (7).]
انتهى كلام الصلابي.

ويتلخص مما سبق:

1- أن الواقعة مكذوبة لا سند لها ولا أصل.

2- وأن من افتراها: هما الشيعيان الكاذبان نصر بن مزاحم وابن الكلبي.

3- أن جميع من نقل هذه الواقعة من أهل الأخبار والتاريخ، فعنهما نقل ومنهما أخذ، هكذا بلا سند ولا تحقيق. كصاحب الإمامة والسياسة وصاحب الروض الأنف، بل إن العلامة ابن كثير ذكرها دون سند ولا تحقيق على غير عادته.

4- أن هذه الواقعة قد شاعت شيوعا عظيما في كتب التاريخ والأشعار وكتب المعاصرين، وكلهم يرددها دون تثبت.

5- أن أعداء الإسلام من الشيعة الحاقدين والمستشرقين الكافرين قد وجدوا ضالتهم بهذه الرويات الساقطة، للتشنيع على الصحابة رضي الله عنهم.

6- أن على العلماء أن يبينوا مفتريات الشيعة وأكاذيبهم ويذبوا عن أعراض الصحابة فإن هذا من الدفاع عن جناب أستاذهم ومربيهم صلى الله عليه وسلم.



(1) الطفول جمع طفل، بالفتح، وهو الرخص الناعم.
(2) وقعة صفين، ص (406 - 408)، قصص لا تثبت، سليمان الخراشى (6/ 19).
(3) ميزان الاعتدال (4/ 253 - 254).
(4) لسان الميزان (6/ 157).
(5) المجروحون لابن حبان (3/ 91)، تذكرة الحفاظ (1/ 343)، معجم الأدباء (19/ 287)، قصص لا تثبت (1/ 18).
(6) قصص لا تثبت (1/ 20).
(7) المصدر نفسه (1/ 10).